تمر الشركات الناشئة خلال مسيرتها الريادية بعدد من مراحل النمو التي تختلف في طبيعتها وتحدياتها، وينعكس ذلك مباشرة على حاجاتها التمويلية التي تستخدمها لدعم تشغيل عملياتها وضمان استمرار أعمالها. إذ تتركز الجهود خلال الجولة التمويلية الأولى (Series A Round) على تحسين نموذج العمل التجاري الذي ثبتت كفاءته، وتطوير المنتج، وتغطية نفقات الموظفين الجدد إضافة إلى القيام بالمزيد من أبحاث السوق. أما الجولة التمويلية الثانية (Series B Round) فتهدف إلى تقوية دعائم الشركة الناشئة من خلال ضخ المزيد من الأموال لنشر الإعلانات والتطوير التقني ومساعدة فرق المبيعات على الوصول إلى أكبر عدد من العملاء المحتملين. وفي حين يصعب العثور على مستثمرين في الجولة الأولى بسبب عامل المخاطرة المرتفع، يعود ذات المستثمرين معظم الأحيان للاستثمار في الشركة الناشئة في جولتها الثانية بعد إثبات نجاحها واستقرارها وانخفاض مستوى المخاطر.
أما بلوغ الشركة إلى الجولة التمويلية الثالثة (Series C Round) فهو إيذان بدخولها مرحلة جديدة تتخلى فيها عن صفة “ناشئة” حيث تصبح شركة مستقرة ومربحة ويتطلع جميع أصحاب المصلحة إلى مساعدتها في تحقيق التوسع والتمدد عبر دخول أسواق أخرى إقليمية وعالمية، أو من خلال تطوير منتجات جديدة تجذب قاعدة أوسع من المستخدمين، وصولاً إلى استحواذها على شركات أخرى منافسة أو تكمّل وتقوي ما تقدمه من منتجات وخدمات بما يؤهلها لموقع الصدارة في القطاع الذي تعمل فيه.
وقد تمكنت فودكس في جولتها الثالثة من الحصول على استثمار بقيمة 170 مليون دولار أمريكي من تحالف قادته شركة سنابل للاستثمار المملوكة لصندوق الاستثمارات العامة، وشركة بروسوس، أحد أكبر مستثمري التكنولوجيا في العالم. ومن بين المستثمرين الآخرين سيكويا كابيتال الهند، إس تي في، إنديفور كاتاليست، وفيجن فنتشرز. أما العامل الفريد الذي يميز هذه الجولة فهو انضمام المؤسسات المالية والبنوك إلى المستثمرين المغامرين، وذلك بحثًا عن شركات تمتلك سجلاً حافلاً في مجالاتها للاستثمار فيها. وبالنسبة لفودكس، فإن جذب هذه الشريحة من المستثمرين يُعد شهادة واضحة على الثقة الكبيرة التي يضعونها في متانة رؤية الشركة وفريقها المتميز.
فودكس والمستثمرون
لن يعود الاستثمار في فودكس بعد الجولة التمويلية الثالثة كما كان من قبل، فهي الآن شركة عالمية تمارس أعمالها انطلاقاً من ثمانية مكاتب في الشرق الأوسط وأوروبا وشمال أفريقيا، ويعمل فيها ما يزيد على 500 موظفاً لخدمة أكثر من 21,000 مقهىً ومطعماً على امتداد المنطقة.
وقد أثبتت خلال مسيرتها التي بدأتها عام 2014 قدرتها على النمو وبناء العلاقات واستقطاب المواهب والمهارات العالية، فضلاً عن امتلاك نظرة مستقبلية ثاقبة يدعمها تخطيط منهجي متين يساهم بشكل مباشر في تشكيل قطاع المطاعم والمقاهي. وكل ذلك يجعل الاستثمار فيها مغنماً حقيقياً يجعل صاحبه يستبشر بمردود مالي واعد وأداء مالي متميز.
فودكس وقطاع المطاعم
بدأت فودكس مشوارها قبل ثماني سنوات في قطاع المطاعم بصورة منيو (قائمة طعام) إلكترونية على جهاز آيباد، والآن تحولت إلى نظام متكامل لإدارة المطاعم والمقاهي مع أجهزة ملحقة وتطبيقات خارجية داعمة في كل المجالات التي تخطر ببال أصحاب المصلحة بدءاً بالمحاسبة، إلى ذكاء الأعمال وإدارة الموارد والقوائم الرقمية وصولاً إلى خدمات التوصيل وحجز الطاولات.
لكن ما يهم فودكس هو أبعد من ذلك، إذ تهدف الشركة في هذه المرحلة إلى توسيع دائرة تأثيرها والارتقاء بالقطاع كله في المملكة والمنطقة العربية نحو تنافسية عالية وجودة تضاهي المستويات العالمية، وهو ما لا يمكن إنجازه دون الدخول في مضمار تأهيل القوى البشرية ودعم وتمويل الأفكار الجديدة في مجال المطاعم، وتدريب وتوسيع فرق الدعم المحلية العاملة على الأرض، ورعاية الأنشطة ذات الصلة وإنجاز الشراكات الإقليمية والعالمية، وهو ما سينعكس إيجاباً على سائر أصحاب المصلحة وعلى جميع العاملين في مختلف محطات إعداد الغذاء من المنتِج إلى المستهلك النهائي.
فودكس والموظفون
لا أحد يجادل بأن الكادر البشري هو العنصر الأساس في نجاح الشركات ونموها، وأن قيمة المواهب تكمن في قدرتها على اختصار الزمن وابتكار الحلول وإطلاق حالة من التفاعل الإيجابي داخل أروقة الشركة بين الموظفين وخارجها مع العملاء النهائيين. وقد أدركت الإدارة العليا في فودكس هذه الحقيقة منذ البداية وصممت على تهيئة أجواء الراحة والإبداع لمنتسبيها وإعطاء الأولوية للاستثمار فيهم بما أهّلها لتدخل قائمة أفضل مكان للعمل في الشرق الأوسط لعام 2021.
وقد ساعد ذلك كله على استقطاب أكثر من 500 موظفاً يتوزعون بين ثمانية مكاتب للشركة في ست دول، إضافة إلى آخرين يعملون عن بُعد من شرق آسيا وأفريقيا وأوروبا ويثرون ثقافة الشركة بما يجلبونه معهم من أفكار جديدة وخبرات وممارسات مهنية مميزة في مجال عملهم. وسوف توفر هذه الجولة التمويلية الثالثة فرصاً كثيرة لجذب المزيد من المواهب الاستثنائية وضمها إلى عائلة فودكس في الأسواق التي تعمل فيها.
فودكس والمستقبل
ولا يكتمل حديثنا عن الجولة التمويلية الثالثة لفودكس دون أن نحاول رسم ملامح المستقبل القريب، خاصة مع إطلاق الشركة لعدد من المنتجات الجديدة خلال هذا العام – مثل فودكس أونلاين – لتمكين أصحاب المطاعم والمقاهي من تشغيل متجر أونلاين من خلال موقع إلكتروني وتطبيق جوال في زمن قياسي، وكذلك فودكس One الذي يستهدف محلات البيع بالتجزئة على اختلاف أنواعها من خلال جهاز مبتكر محمول باليد يوفر لمستخدمه خصائص الكاشير وإمكانيات الدفع والطابعة في آن واحد. إضافة إلى فودكس كابيتال، وهو صندوق إقراض مصغر للمطاعم الصغيرة والمتوسطة، وكذلك منصة فودكس سابلاي التي تربط المطاعم بشركات التوريد.
أما خطوة فودكس التالية، فهي تتمثل في تحقيق ما تتطلع إليه الشركة من الانطلاق للعمل في الساحة العالمية. ومن يدري ما الذي يخبئه المستقبل لهذه القوة الصاعدة؟
